قد يكون فساد الكليونات (الوحدات الكلوية) عاماً ومنتشراً في الكليتين كما يحدث في الأنواع المختلفة من التهاب كبيبات الكلى وفي الأمراض الكلاجينية أو قد يكون بؤرياً كما في التهابات الكلى الميكروبية وبعض حالات انسداد شرايين الكلى.
تختلف نسبة الأمراض المسببة للفشل الكلوي في البلدان المختلفة ، في العصور المختلفة ولكل متخصص في هذا المجال قائمته الخاصة التي توضح النسب المختلفة ، وفي رأيي أن أكثر الأمراض انتشاراً في مصر هي الأمراض الانسدادية بالمسالك البولية ، وتلعب البلهارسيا البولية دوراً أساسياً فيها بما تسببه من تليف الحالبين والمثانة وعنقها وما تسببه من أورام حميدة وخبيثة بها . بالإضافة إلى التهاب الكلى الميكروبي ، وكلا السببين مسئول عن حوالي 50% من حالات الفشل الكلوي المزمن بمصر ، يلي هذا الالتهاب الكبيبي بالكلى وهو مسئول عن حوالي 30% من الحالات ، ثم مرض السكر ومرض الذؤاب الاحمراري المجموعي (المعروف لدى عامة الناس بمرض الذئبة الحمراء والذي يصيب الفتيات والنساء صغيرات السن في 90% من حالاته) ، وهما معاً مسئولان عن معظم حالات الفشل الكلوي الباقية ، أما باقي الأسباب فهي أسباب نادرة ، ربما باستثناء المرض الخلقي المعروف باسم " الكليتان متعددتا الكيسات" ، ويلاحظ أن الداء السكري كسبب للفشل الكلوي المزمن يزداد باطراد في السنوات الأخيرة نظراً لبقاء مريض السكر على قيد الحياة لسنوات طويلة باستخدام الأنسولين وبكفاءة العلاج ، كذلك مرضى الذؤاب الاحمراري لتقدم وسائل تشخيصية ومعرفة الأطباء والجمهور به في السنوات الأخيرة أم أمراض كدرن الكلى والداء النشوائي الثانوي وغيرهما فقد قلت كثيرا في العصر الحديث.
وعندما يشخص الطبيب مرض الفشل الكلوي المزمن لدى مريضه فإن واجبه الأول هو تحديد ما إذا كان عكوساً أو ثابتاً ، وإذا كان بالإمكان وقف تقدم المرض ن وإن كان عكوساً فإن واجبه الأول بذل كل ما يمكنه لعكس المرض في مراحله المبكرة ، ومن أهم الأسباب العكوسة انسداد المسالك البولية (التي تعالج جراحياً) ، والالتهاب الميكروبية (التي تعالج بمضاد حيوي مناسب) ، والأمراض الكولاجينية (التي تعالج بالستيرويدات الكورتيكية وبمثبط المناعة) ولكن في أغلب الحالات لا يمكن عكس تقدم مرض الكلى الذي يتقدم حثيثاً إلى نهايته.
يبدأ الفشل الكلوي المزمن بقصور في وظائف الكلى التي تتدهور تدريجياً حتى يصاب المريض بالمرحلة الأخيرة للفشل الكلوي ، وقد يعيش بعض المرضى لسنوات طويلة و بولينة الدم مرتفعة عن معدلها الطبيعي ونسبة الكرياتينين عالية ولكن في بعضهم الآخر يزداد الفشل الكلوي بسرعة ويصل المريض إلى مرحلة الديلزة بعد شهور قليلة ، ومن أهم عوامل سرعة تقدم المرض هو بقاء السبب الأصلي بدون علاج وارتفاع ضغط الدم ، الذي يجب علاجه بدون توان في جميع مرضى الفشل الكلوي المزمن ، خاصة بعد استحداث عقاقير فعالة وسهلة الاستعمال.
العلاج
كان يظن قديماً أن الفشل الكلوي المزمن ليس له علاج وان المريض سيسير إلى حتفه حثيثاً مهما حاول الطبيب أن يمنع هذه النهاية ، ولكن النظرة إلى هذا المرض تغيرت كثيراً في عصرنا الحاضر وتأكدنا أن المرضى الذين يعانون من قصور محدود بوظائف الكلى والذي لم تتجاوز نسبة بولينة الدم100مجم/ديسيلتر(كرياتينين المصل لم يتجاوز 5مجم/ديسيلتر)بإمكانهم الحياة الطبيعية بصحة لا بأس بها متى نظموا غذاؤهم وضبطوا معدل الضغط لديهم وتجنبوا ما يمكن أن يسبب تدهوراً حاداً في وظيفة الكلى (ومن أهمها تجنب العقاقير ذات السمية على الكلى).
ويحتاج مريض القصور المزمن لوظيفة الكلى أن يعالج بما نسميه "العلاج التحفظي" أي أنواع العلاج التي لا تتطلب الديلزة أو زرع الكلى، والهدف من "العلاج التحفظي" هو علاج الأعراض والإبطاء ما أمكن من الوصول إلى المراحل النهائية التي تتطلب الديلزة أو زرع الكلى.
وأول ما ينبغي النصح به هو تعديل النظام الغذائي للمريض ،يتناول المريض غذاء قليل البروتين ، بحيث لا يتجاوز ما تناوله يومياً نصف جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم في اليوم مع ضمان حصول المريض على سعرات كافية من مصادر أخرى ، ويتناول الفيتامينات والأملاح المعدنية اللازمة ، وينبغي نصح المريض بتخير أنواع البروتين الذي يتناوله ، فيتناول البروتين الذي يحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية وتجنب البروتين الفقير في هذه الأحماض (مثلاً تناول البيض ويتجنب الفول) وينبغي عدم حرمان المريض من البروتين تماماً (كما هو الحال في الفشل الكلوي الحاد)لأن هذا سيسبب مع طول مدة الحرمان في ضمور العضلات وزيادة شدة فقر الدم (الذي يعاني منه مريض الفشل الكلوي بادئ ذي بدء).